رحلة الموت
اواخر يوليو كان الجو شديد الحرارة والصيف ينبأ عن احداث مخيفة التقي عمرو باحمد واشرف علي كافتيريا المستشفي احلامهم بسيطة وعيونهم تنظر الي المستقبل بترقب لم يحصلوا من الحياة سوي علي لقب دكتور وهذا البلطو الابيض يتجولون به في مستشفي اسيوط الجامعي وكانهم عصافير الكناريا. سنة الامتياز هي سنة التدريب العملي لطلبة الطب ليس عليهم فيها اي مسئولية وقد انزاح عنهم هم الدراسة فهي سنة الاستجمام وهي الفترة الانتقالية بين ثقل الدراسة وعبء الحياة وهي باختصار فترة الضحك واللعب والحب وهي اجمل واخر فرصة للسعادة .
جاءت البشري من احد اصدقائهم بصرف المرتبات كست الفرحة وجو ههم فقد كان في ذهن كل واحد منهم فكرة؟ انه الصيف الذي اتي بعد ان انهكتهم دراسة الطب ست سنوات ها هو اول صيف بعد التحرر من قيود الدراسة وها هو اول مرتب في حياتهم التي لن تستمر كثيرا . نظر احمد بعد قبض المرتب الي اشرف وعمرو واقترح الفكرة المنتظرة ايه رايكم ناخد كام يوم في الاسكندرية؟ لمعت اعين اشرف وعمرو ولم يفكرا كثيرا يلا بينا انطلق الثلاثة الي القدر المحتوم ذهبوا مباشرا الي استراحة اطباء الامتياز جهزوا الشنط علي استعجال لم يتركوا حتي رسالة لاحد من زمايلهم عن جهتهم انطلقوا كالمسحورين اليه الي الموت.
اتفق الثلاثة علي الاسكندرية وفي طريقهم الي محطة القطار اخبرهم اشرف ان له صديق يعمل بالغردقة وكان يدعوة دائما الي زيارتة اختمرت الفكرة في عقل عمرو سرح بعيدا في الغردقة والقري السياحية التي يسمع عنها ويراها في التلفاز وكانها من المحرمات علي عامة الشعب هل يمكن ان يري السياح وهم يبدلون ملابسهم علي الشاطي ويتجولون في المدينة وهم شبة عراة الحلم اصبح واقع وها هي دعوة صريحة للغردقة نعم الغردقة صرخ بها عمروعلي الاقل هناك من ينتظرهم ويستطيع ان يدبر امر الفسحة والسكن ويشاهدوا لاول مرة في حياتهم تلك البقعة الساحرة من ارض مصر. لم تكن في ذلك الوقت ظهرت قري الساحل الشمالي ولم تكن شرم الشيخ علي الخريطة كانت الغردقة هي ملء السمع والبصر ووجهة الاغنياء وحلم يراود الفقراء لذا كانت فكرة الغردقة فكرة مجنونة كيف لهم ان يدخلوا هذة القري ومرتبهم لا يكفي لقضاء ليلة واحدة فيها ولكن اشرف طمئنهم ان صديقه سوف يتكفل بكل هذا الامر.
انطلق القطار بهم من اسيوط الي قنا وصلو قنا علي اذان العصر صلوا في مسجد سيدي عبد الرحيم القناوي.
رغم انهم دفعة وحدة فلم يتعرف عمرو علي اشرف واحمد الا في سنة الامتياز اي ان معرفته بهم لم تتعدي سوي شهور قليلة يا لسخرية القدر.
احمد الابن الوحيد لاب كافح في الحياة من اجلة ومن اجل اخته استطاع ان يجوز اختة لعريس مناسب من نفس المدينة واصبح همة الوحيد والاكبر هو احمد رغم ضيق الحال وقلة الحيلة الا انه استطاع ان يبني بيت من ثلاث ادوار بعد كفاح مرير مع الحياة وحرمان اكبر من لذتها والاستعانة بكشك صغير لزيادة دخله مع وظيفتة الحكومية ولكن هذا الكشك اصبح نقطة خلاف بينه وبين احمد الذي يري انه يحط من شانة وهو قد اقترب من العودة الي المدينة حاملا لقب دكتور رضخ الاب لطلبات احمد فهو يحيا ويعيش من اجله وقد انهي تجهيز شقة لزواجه واخري عيادة وهذا اقصي امانية وليكمل احمد المسيرة وليطمئن ابوه علي مستقبله بعدما هيهأ له اسباب النجاح ولتقر عيناة وهو يري ثمرة حياته وصبر ايامه ودعاء صلواته .كم كنت قاسيا ايها القدرعلي هذا الاب كم كان الابتلاء عظيم وكم كانت البلوي اكبر من هذا الاب المسكين. انا الان اتذكر منظر ابو احمد وهو بالمستشفي يجلس مذهولا ينظر الي الارض يرتدي بدلة نصف كم اكل عليها الدهر وشرب ونظارة سميكة موظف مصري بسيط عندما تراه لاول مرة تقسم من هيئتة انه الموظف المصري الذي ينحر في الحياة ليوفر قوت اولاده . انطلقت العربة البيجوا تحمل الثلاثة وسط الصحراء الي المدينة الساحرة
وصل البيجو الغردقة قبيل العشاء كانت الغردقة المدينة صدمة لهم فهي مدينة عادية بل اقل من العادية اتضح بعد ذلك ان القري السياحية تختلف عن المدينة وان المدينة هي مكان العمال والمقيمين يوجد بها بعض وسائل الترفية من ديسكوا وملاهي ليلية وقهاوي منتشرة وفنادق محترمة نوعا ما بجانب الهيئات الحكومية بحثوا الثلاثة عن لوكاندة تناسب امكانياتهم المادية الفقيرة ووجدوا ضالتهم في لوكاندة اصابها الهرم وضعوا امتعتهم بها وانطلقوا لكي يجدوا ضالتهم في متع الحياة الغائبة عنهم وليتعرفوا علي هذة المدينة التي لا توحي بشئ جديد نفس الشوارع والطرقات وكانهم لم يغادروا مدينتهم بل نفس الوجوة اين السياح؟ واين هذا السحر والجمال الذي جاءوا يبحثوا عنة؟
وجدوا مسجد كبير وسط المدينة وكأنهم وجدوا ضالتهم فالعشاء علي اذان دخلوا المسجد صلوا المغرب والعشاء وعند خروجهم من المسجد كانت اولي المفاجأت سرقة جزمة احمد المدينة الحالمة بها حرامية جزم يا للهول علي راي يوسف وهبي كان احمد من النوع شديد الحرص شديد البخل وكان حادث سرقة حذائه كفيل بان يجعله يصب اللعنات علي هذة الفكرة المجنونة بالسفر الي الغردقة لم يخطر ببال احدهم ان بداية الرحلة سوف تكون بسرقة الجزمة
بصراحة بداية غير مبشرة بالخير ارتدي احمد شبشب (قبقاب) من الجامع واشتري جزمة جديدة وكانت تظهر علية علامات الحزن لفراق حذائه القديم من الواضح انه عشرة عمر وبينهما ذكريات من البؤس والشقاء صعب ان تنسي وظن انهما لم يفترقا ولكن تاتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
لازلت اتذكر كلمات اشرف عن ابيه وهو يحكي عنه ابي كالاسد هكذا اطلق علية لقبه وهكذا رايتة في المستشفي ينتظر اجراءات الدفن يسير لوحدة كالاسد الجريح وفجاة ينهار ويصرخ يا واحد يا واحد ثم يتمالك نفسة ويكمل السيرثم تفر من عينة دمعة تريد ان تتنفس الحياة بعدما كتمها داخله سنوات لم تستطيع الدنيا بكل همومها ومشاكها وفراق الاحبة ان تنتزع منه هذه الدمعة ولكن هيهات ها هو الدمع ينهمر منه كالمطر ذلك الاسد يهتز يصرخ لا ينطق الا باسم الله الواحد تخرج منه لتشق عنان السماء اري السماء ترتجف وهي تستقبل هذه الصرخة المكتومة الاسد لا يريد الانحناء الي الاقدار ولكن كيف لا ينهار وقد فارق جزء منه الحياة بل ان شئت قل فارقت روحة الحياة.
ما اصعب فراق الابناء كان ابي يدعو ربه بان ياخذة قبل ان يري مكروها في ابنائه فما بالك بفراق الابن بموت الابن.
اتصل اشرف بصديقه الذي قابلهم علي احدي القهاوي كانت فرحة الصديق لا توصف وكانهما افترقا من سنين تعجبت لهذا الحب الظاهر في اعينهم وبعد التعارف بينهم وعدهم بالمرور عليهم صباحا لياخذهم الي احدي القري الساحية التي يعمل بها. كان دخول القرية السياحية للمصريين في ذلك الوقت صعب فالقرية مكتظة بالسياح الاجانب وكان دخولهم عن طريق هذا الصديق غير شرعي ولكنه ادي الغرض ووجد الثلاثة انفسهم وجها لوجة مع الشاطئ ومن حولهم اجانب من كل شكل ولون تخلت بعضهن عن الجزء العلوي من المايوة ليكتسب نهداهن اللون البرنزي كان المنظر صدمة وكان كفيل بان يحرك داخلهم عواصف الشهوة ولكن كان هناك احساس غريب وعجيب الامر لم يحرك فيهم ساكن بل الاغرب من ذلك اهتم الثلاثة بامر المياة ومحاولة الاستمتاع بهذة اللحظات عن حتي النظر الي تلك الاجساد العارية هناك شئ غريب ان الفتن حولهم لم تلههم وكأن هناك غشاوة علي اعينهم
الامر ذاتة تكرر في المساء وجدوا الثلاثة ملهي ليلي يعلن عن راقصة لولابية غرهم الشيطان واوعز اليهم بخوض التجربة لا اكثر فهم لم يدخلوا من قبل هذة الاماكن ولم يحتكوا بهذا البشر غلبهم حب الاستطلاع ودخلوا الدخان يملئ المكان انه ليس بالمعني المفهوم لكلمة ملهي هو اقرب الي قهوة بلدي او ان شئت قل خمارة تقدم بالاضافة الي الشيشة والمشروبات العادية الخمور بالاضافة الي فقرة لراقصة اخر الليل.
لم يستطيعوا الجلوس فيه اكثر من ربع ساعة وغادروا المكان ليتنفسوا هواء البحر النقي الخالي من تلك الشوائب البشرية تحدثوا في امور شتي وهم يسيرون في ليل اخر ايامهم في هذة الدنيا الغرورة
اشرف يري ان جمال عبد الناصر هو نصير الفقراء ولولاه ما دخل امثالهم كلية القمة وتمتعوا بنعمة مجانية التعليم عمرو اول مرة يسمع هذا الكلام فهو لا يعلم عن الثورة الا انتهاء الملكية وبداية الجمهورية اما اي تفاصيل اخري عن توزيع الاراضي علي الفلاحين ومجانية التعليم والكلام ده فدي سياسة هو بعيد عنها كل البعد اما احمد فهو لا يري خير لا في جمال ولا السادات ولا من جاء بعدهم ولا من سوف ياتي علي كرسي الحكم فالكل عندة سواء وتطرق الحديت الي جماعة الاخوان تارة والي الفساد المنتشر في الغردقة وطبعا يقصدوا فساد الاخلاق لا اكثر اما فساد الذمم وفساد الحكم وفساد الحكومة والذي منه فليس هذا وقته في هذا الليل البهيم والجو العليل تحدث اشرف عن بعض ذكرياته مع ابيه اما احمد فهو يحاول ان لا يتكلم ابدا عن دواخله كان احمد انسان هادي الطبع الي اقسي درجة لا تشعر بوجودة يتكلم قليلا جدا بعكس اشرف كان كثير الكلام كثير السرحااان انتهت الليلة الاخيرة وبدأ صباح اليوم الاخير
انه اليوم الذي ستشرق فيه الشمس لاخر مرة علي اتنين من الثلاثة سيتركوا الدنيا محملين باقل قدر من الذنوب والخطايا سيتركوها ولم يلبثوا فيها الا القليل سيتركوها في هدوء شديد دون وداع لصديق او قريب دون وداع لاب ربي وام سهرت وعيون اخذت تترقبهم وهم صغار يحبون ويقعون فتبتسم وتضحك وتحضنهم في عشق عيون سهرت الليالي وبكت طويلا لالم اصابهم او مرض اخذ منهم بسمتهم عيون احاطت بهم عن الناس والهواء عيون لمعت لنجاحهم وتراقصت لفرحهم ولم تنام الا بعد الاطمئنان علي وجودهم عيون حياتها في رؤيتهم وهلاكها في فراقهم .كيف لهذه العيون ان تصبر لفراقهم؟ كيف لها ان تصبح فلا تراهم علي قيد الحياة؟ اي شيئا سوف تراه بعد الان واي فرحة سوف تشرق في هذة القلوب؟
يبدوا اليوم 29 يوليو كأي يوم عادي لا يوجد شيئا ملفت للنظر سوي ذلك الهدوء الشديد وكأن مسرح الحياة فتح الستار ليري الجمهور الفصل الاخير من حياة اشرف واحمد وقف اتوبيس القرية السياحية التي يعمل بها صديق اشرف حوالي الساعة العاشرة صباحا امامهم ركبوا الثلاثة مع صديقهم الاتوبيس الذي شق طريقه وسط القري السياحية وفي خلال نصف ساعة كانوا امام بوابة القرية تركوا الثلاثة البطاقات الشخصية كاجراء امني عند البوابة وساروا في ممر طويل الي فندق القرية نظروا الثلاثة الي متع الحياة الزائلة انبهروا لمنظر الفندق فالفندق ضخم جميل البناء والتصميم وهم لم يعتادوا مثل هذه الاماكن ولن يروها بعد الان يطل الفندق علي الشاطئ خرجوا من احد ابواب الفندق الي الشاطئ مباشرا ودعهم صديقهم الي عمله. الشاطئ صغير مكتظ بالسياح علي اختلاف الوانهم الشمس تشرق بصفاء عجيب والهواء يحمل رائحة البحرليعبر بها رئاتهم ليزيل ما علق بها من رواسب دنياهم وليهيئهم الي الحياة الجديدة اختاروا اخر الشاطئ في منعزل عن باقي المصطافين كان الشاطئ ينتهي بلسان يمتد داخل البحر ويفصل قريتهم عن القرية المجاورة انه اللسان الذي سيشهد اللقطة الاخيرة .نصف ساعة علي انتصاف النهار وتعامد الشمس علي الارض عجبا لهذا التوقيت الذي اختاره القدر للنهاية جاءت دعوة للاشتراك في ممارسة الكرة الطائرة الشاطئية تحمس اشرف للفكرة واستجاب احمد وانطلقا الاثنين ليلهوا معا تابعهم عمرو برغبة في المشاركة ولكن هناك من شده الي مكانه فوق الرمال لم يأتي بعد دورة فليمكث قليلا في الحياة ليزداد من شقائها ونصبها وليحمل من اوزاره ما تأن منه الجبال. بعد مضي نصف الساعة انتهت المباراة لتبدأ المأساة اتيا احمد واشرف عمرو والسعادة تملا وجههما وكأنهما كانا يمارسا طقوس الفرار من الدنيا حان وقت النزول الي البحر فقد سري فيهما حماس غريب ليطفأ نشوتهما بماء البحر.كان عمرو قد احمر جلده والتهب من اليوم السابق لنزوله البحر فأسر السلامة وتمني لهما الاستمتاع بمياة البحرالصافية وتركهما بنظره وهما يتجهان صوب هذا اللسان بعيدا عن باقي المصطافين والقي بجسده علي الرمال الناعمة وغطي وجه بالفوطة لا يعلم كم مضي من الوقت ولا يعلم ان كانت اصابته غفوة من النوم ام انه كان في الا وعي ولكن كان هناك هاجس مخيف سيطر علي نفسه فانتفض وكأنه مسه عفريت من الجن وقف يرتعش وكاد قلبه ان يقف شعر بان الرمال من تحته تذوب ويغوص هو داخلها لتطبق علي صدره استعاذ بالله من هذا الاحساس وطمئن نفسه عندما نظر حوله فرأي الهدوء يعم المكان نظر علي البحر وهو لايري شيئا يلتمس اصدقائه فلم يجدهم ظن انهما خرجا وذهبا الي الاستحمام من ماء البحر تلفت يمينا ويسارا علي طول الشاطي لم يجد لهما اثر قادته رجلاه دون ان يشعر الي اخر الشاطئ حيث اللسان تبسم وكأنه استنشق اخيرا الحياة ها هم مستلقيان علي اخر اللسان .سأل نفسه يا تري فيما يتهامسان؟ فقد بدا عليهما كعاشقان يتناجيان يتهامسا الحب. هم بتركهما والعودة الي مكانه خطي بعض الخطئ ولكن رجلاه رفضت المضي تسمرت بالارض اتاه نفس الهاجس وانقبض قلبه بقوة حتي كاد ان يخترق صدره عاد والفزع يملأه نظر اليهما مرة اخري واطال النظر انهما لا يتحركان لا يتهامسان لا ينظران لبعضهما صوت الموت قد احاط بالمكان الفزع يصرخ السماء تصدر اصواتا مرعبة موج البحر يهيج رسمت علي البحر صور مخيفة اللسان الذي يحملهما يرتعد لم يتمالك عمرو نفسه اخذ يصرخ عليهما بهيسترية لم تستطع قدماه ان تتحرك سمع احد العاملين بالشاطئ صراخه فاتجه مباشرا نحو هذان الراقدان في سلام اخذ يقلب فيهما يمينا ويسارا وعيون عمرو تترقبه في فزع وخوف شديد تجمع بعض العاملين حول عمرو وهم ينتظرون الخبر من طرف اللسان اشار العامل باشارة واحدة كانت كافية ليعم السكون المكان الا من صرخات عمرو التي اطلقها دون وعي حتي انتهي صوته واخذ يردد لا حول ولا قوة الا بالله لا حول ولا قوة الا بالله . في احد مكاتب الفندق جاءت الشرطة وتم عمل محضر بالحادثة وغادر عمرو القرية وسار وحيدا في ذلك الممر الطويل من الفندق الي البوابة
كلما تذكر عمرو انه منذ دقائق كان يسير مع اصدقائة علي ذلك الممر يهيج بالبكاء حاول ان يتمالك نفسه ويثبت وهو يري الناس من حوله ينظرون باستغراب علي هذا الباكي ولكنه فشل في السيطرة عليها عند البوابة وعندما هم باخذ بطاقتة الشخصية سمعها لاول مرة من حارس الامن البقية في حياتك هكذا يدخل من هذة البوابة هو واصدقائة ويخرج منها يتلقي العزاء فيهم الامر اكبر منه وقدماه لا تستطيع ان تحملاه يريد ان يصل الي اللوكاندة بسرعة لينعزل عن هذا العالم ويجلس مع ذكرياتة ويصرخ باعلي صوته دون ان يراه احد هكذا هو دائما يحب ان يعيش الحزن وحده لا يشاركه احد يبكي مع نفسه يصرخ داخلها يحدثها هي فقد لا غير هذة طبيعتة لا يريد ان يري دموعه احد لم يستطع الوقوف طويلا جلس بجوار سور القرية ينظر الي السماء يناجي ربه ان يلهمه الصبر اراد ان ينام فيستيقظ علي يوم جديد غير ذلك اليوم اراد ان يغمض عيناة فيفتحهما علي بلد اخر غير تلك البلدة المدينة الساحرة تحولت الي مدينة الاشباح والاحزان تجمعت الغيوم في سمائها فحولت نهارها الي ظلمة عظيمة واختنق الهواء داخلها حتي اخذ يتنفس بصعوبة بالغة انه يريد الهروب الان من ذلك المكان شاور لميكروباص يمر بالطريق عندما وصل الي اللوكاندة كان الخبر قد وصلها عن طريق الشرطة التي اخذت متعلقات احمد واشرف للمرة الثانية يسمع نفس الجملة البقية في حياتك من موظف اللوكاندة اتجه نحو غرفته القي بنفسه علي السريرشعر بان هناك من يقوم بعملية غسيل مخ له لم يشعر بشئ ولا يعرف كم مضي من الوقت حين سمع طرقات علي الباب فتح فاذا بصديق اشرف يبكي بحرقة ويحضنة بشدة اخبره انه استطاع ان يخبر اهل اشرف بالحادثة ولكن عليه ان يتولي هو اخبار اهل احمد حيث ان اجراءات تبليغ الشرطة قد تاخذ بعض الوقت ثم سلمه ظرف اخبره ان بداخله شهادة وفاة احمد عليه ان يسلمه لاهله عند وصولهم واستاذن لانه سوف ينتظر اهل اشرف بالمستشفي لاستلام الجثة هكذا تحول اسم اشرف الي الجثة تم حذف الاسم الذي ارتبط به طوول عمره بمجرد فراقه الحياة وتحول الي الجثة رفع اسمه مع روحه الي السماء وبقي الجسد الفاني الجثة خرج صديق اشرف ونظر عمرو الي المظروف وما ان شاهد المكتوب علية حتي اجهش بالبكاء فقد كتب عليه المرحوم احمد قرشي هكذا بالسرعة دي اخذ لقب المرحوم وهو من ساعتين او اقل كان يتناول معة في نفس تلك الحجرة الفطار ويستعدا معا ليومهم الجديد ويخططان كيف يستفيدا منة اقصي استفادة ممكنة فلم يبقي معهم من المال الكثير واقتربت الرحلة علي نهايتها لم يكن يعلم ان الرحلة هي رحلة حياته وانهما يخططان لاخر ساعات عمره ويكتبان معا النهاية لهذة الرحلة الحياتية القصيرة لم يستطع عمرو ان يتمالك نفسة وهو يري لقب المرحوم قبل اسم احمد حتي كاد ان يمزق الخطاب لولا تذكر اهميتة لانهاء اجراءات تسلم الجثة ودفنها
لم يستطع عمرو الجلوس وحيدا في الغرفة فقد كاد عقلة ان يجن واصبحت تأتية نوبات من الصراخ والبكاء فخرج الي المستشفي حيث يرقد بمشرحتها جسدي احمد واشرف وجد هناك بعض رفقاء صديق اشرف ينتظرون وصول اهل اشرف وكانوا يتحدثون عن التليفون الذي وصل لاهل اشرف يخبرهم بالفاجعة رد علي التليفون ابو اشرف واخبره المتحدث بالخبر فرد عليه ان اشرف باسيوط واغلق سماعة التليفون عبثا حاول الاتصال به ثانية فلم يرد جلس الاب المصدوم من الخبر وهو لا يصدقه وهو يحدث نفسه اشرف في اسيوط ولم يخبرني انه مسافر الي اي بلد ان الخبر كذب ولكن قلبة يحدثه بشيئا اخر انه الوداع وداع اغلي الناس وداع الابن وداع الاخ وداع الصديق وداع الفرحة وداع الحياة حاول ان ينكر كل هذه الاحاسيس ويقنع نفسة ان اشرف ما زال علي قيد الحياة هناك في اسيوط لم يغادرها ولن يغادرها قبل ان يخبره كيف له ان يغادر الحياة وهو الذي لا يتحرك خطوة قبل ان يشيره فيها لا ان الامر فيه خطأ ما ان اشرف مازال علي قيد الحياة لا.... صرخ بها لا... لا.... حاول اهل البيت استفهام الامر ولكن لم يجيبهم بشئ ماذا يقول يقول ان التليفون يخبره ان اشرف مات هكذا الامر يسير هكذا سيخبر امه ابنك مات هكذا سوف ينطقها بسهولة وسيتحرك اللسان بها كيف لهذا اللسان دائم الدعاء له بحفظه من كل شر ان ينطقها. انتشر الخبر في البلدة بين الاهل والاصدقاء بعدما تولي صديق اشرف هذا الامر وتجمعوا عند بيت اشرف خرج الاب المكلوم وهو لا يستطيع ان يصدق الخبر ولكنه لا يستطيع الانكار ترك نفسة لهم يفعلوا ما شاءوا فهوغير قادر علي فعل شئ سوي الصمت سكت الاسد وتوقف ازيره الكل يتحرك حوله لتجهيز السيارات لاحضار جئة المتوفي من مشرحة مستشفي الغردقة وهو يقف صامت لا يتحدث ولا ينطق حتي همسا فيما تفكر ايها الاب المكلوم؟ اين عقلك اذهب ام تبقي منه شئ؟ اين دموعك التي لم يراها احد من قبل ؟لماذا ما زالت تقف كالاسد علي قدميك الم يحن الوقت لتنحني ؟الكل ينظر الي الاب الواقف علي رجلية لا ينتحب ولا ينحني لو يعلمون بكم النار التي تحرقه لو احسوا بما يشعر به لوعرفوا ان ذلك الاسد الواقف امامهم يشعر ان ذئاب الدنيا تنهش لحمه وان جبال الارض فوق صدره
وصلت السيارات من اسوان الي الغردقه حوالي منتصف الليل
السكون يحيط بالمكان والليل يلف المستشفي نزل ابو اشرف الاب المكلوم من العربة وهو ينظر حوله يتفحص الوجوة لعله يري اشرف بينهم ما زال علي قيد الحياة انه يرفض تلك اللحظة التي يري فيها ابنه جثة في مشرحة تلك المستشفي كم تمني ان يراه في البلطو الابيض داخل احدي المستشفيات لا ان يستلمه جثة منها اخذ يسير ببطئ شديد نحو المشرحة حاول ان يتوقف ولكن هناك امل جعلة يتحرك لعله في اللحظة الاخيرة يتغير الامر يسير واذنه تترقب ان تسمع صوت اشرف من الخلف ينادي عليه ليكذب هذا الخبر ويعلن عودة الروح له ولابيه لكن قضي الامر ها هو اشرف امامه جثة هامدة لا حراك فيها صرخ الاب بكل ما يملك من قوة علي اشرف لعله يجيب النداء ويفوق من غفوته علا صراخه ليملاء المكان اشرف اشرف رد عليا يا ابني التف حوله الاهل يحملونه خارج المشرحة ويصبرونه علي البلاء خرج معهم في هدوء وانطلق نحو فناء المستشفي تتصارع الصرخات داخله لكنه لا ينطق الا بكلمة واحدة يا واحد يا واحد يقف تفر دمعة من عينية ثم يسير وهو يكرر نفس الكلمة يا واحد يجلس علي الارض في وضع القرفساء ويطبق بيده علي راسه يحاول ان يقتل تلك الصرخات داخله ان يغلق هذا العقل الذي يستعرض ذكرياته مع ابنه يحاول ان يمسح الماضي كله بحلوه ومره ولكن عقله لا يستجيب يصر علي العذاب يقف علي رجليه يسير حول نفسه يبكي لا يجرؤ احد علي الاقتراب منه اذا اردت ان تري شخص يحترق فلتنظر الي ذلك الاب ان نار الفراق تحرقه تكاد ان تري النار بعينك ان تحس بوهجها ان اقتربت منه ربما لذلك السبب لم يقترب منه احد فقد احس الجميع بهذة النيران المشتعلة داخل هذا الاسد الجريح انكسر الاسد خانته قوته وخانه القدر الجرح اكبر من ان يضمد والمصيبة اكبر من اي احتمال انطلق صوت بانتهاء الاجراءات وتسلم جثة المتوفي ركب الجميع السيارات وانطلقوا الي اسوان وفجاة وجد عمرو نفسه وحيدا حتي صديق اشرف ورفقاءه ركبوا السيارات مع اهل اشرف نسمات فجريوم جديد ها هي تهب من بعيد كان عمرو يتمني ان تهب نسمات هذا اليوم والامر كله منتهي ولكن ما زالت جثة احمد في المشرحة والمسافة بين ملوي بلد احمد والغردقة بعيدة ولن ياتي احد منهم قبل صباح اليوم الجديد لم يجد عمرو مفر من ان يعود مرة اخري الي اللوكاندة ويحاول جاهدا النوم عاد الي حجرته وفي يده شهادة الوفاة التي يجب ان يسلمها لاهل اشرف وخشي ان يغلبه النوم وهذة الامانة معه فجلس علي السرير ما بين اليقظة والنوم حتي سمع طرقات الباب فقام ليجد اثنان من اصدقائه قد حضرا من اسيوط عندما علما بالخبر ليعيناه علي تلك البلوي اخذهما بالحضن والبكاء عندما رائهما حاولا ان يخففا عنه الامرقدر استطاعتهما احس عمرو اخيرا ان هناك من يستطيع ان يحمل عنه بعض الهم لم يكن في الوقت متسع فقد اخبراه ان اهل احمد قد وصلهما الخبر وانهم في الطريق الان . كان عمرو قد اتصل ببعض اصحابه في المستشفي ليخبرهم بامر ما حدث حتي يستطيع بلديات احمد من الدفعة توصيل الخبر لاهل احمد وبالفعل استطاع احدهم ان يبلغ زوج اخته بالفاجعة وبعد مشاورات مع الاهل اتفقوا ان يخبروا والده بان احمد اصيب في حادثة وانه مصاب بمستشفي الغردقة لم يستطع احد ان يخبره بالحقيقة فاحمد بالنسبة لوالده هو كل شئ هو الماضي والحاضر والمستقبل انه لا يعيش في هذه الدنيا الا من اجله لم يفعل شئ في دنياه الا من اجله كل احلامه واماله لوحيده وثمرة فؤاده وطرح عمره وجني ايامه ان ضربه بسكين في عنقه اهون من ابلاغه بخبر كهذا الامر اقوي من الجميع ولا يوجد من يستطيع ان يخبره بهذا الامرماذا يقولوا له ؟ ان شوكة يشاكها احمد كفيلة بان تقلق منام الاب ان هم اصاب احمد كفيل بان يهيل هموم الدنيا كلها فوق راس الاب لا حديث للاب الا عن احمد العائد بعد سنوات الدراسة الثقيلة حاملا لقب الدكتور هنا عيادته ستكون وهنا منزل الزوجية وهذة حجرة اطفاله وهذا ما تبقي من مال يملكه لتسليمه له حين عودته ليتصرف فيه حسب رغبته والاب سيكتفي بالجلوس في المنزل ليقضي ما بقي من عمره مع احفادة من احمد ان حياة الاب لم تكن ملكه انها جزء من حياة احمد. احمد الراقد الان بسلام في مشرحة المستشفي ينتظر الاهل ليودعونه الي مثواه الاخير. انطلق عمرو واصحابه الي المستشفي لينتظروا قدوم اهل احمد اقتربت الشمس من وسط النهار واقتربت في نفس اللحظة سيارة تحمل لوحات محافظة المنيا نزل الاب كالمجنون ينادي يا احمد انتي فين يا احمدحاول من معه تهدئته دون جدوي اصر ان يراهكان لابد الان من القاء الخبر عليه الاب الثائر كالمجنون صمت لم ينطق بحرف جالس يبكي يا احمد سبتني ليه يا احمد تحول الثائر الي طفل صغير يناجي امه يتحدث اليه وكأنه علي قيد الحياة يبكي كالاطفال لم اراه بعدها الا بجانب الصندوق الخشبي الذي يحمل جثة ابنه في المسجد انتظارا للصلاة عليه اسند رأسه الي الصندوق واخذ يحدث ابنه في صمت وهو يبكي يا تري ماذا قال له وهل اجاب الابن علي ابيه هل رد الله اليه روحه ليجيب هذا الاب الحزين حزن الدنيا المعزول عنها يناجي ابنه في عالمه الاخر انا علي يقين ان هناك اتصال ما حدث بينهما احدهما تحول من حالته لحالة الاخر ليتحدثا معا اخر حديث بينهما قبل ان تفارق الاجساد بعضها احدهما تحت الارض والاخر فوقها اما روحهما فلن يتفرقا ابدا ان احمد كان نسخة من ابيه كانا يذوبان في بعضهما حتي لا تستطيع ان تفرق بين الاب وابنه لن يستطيع الموت ان يفصل هذا الاندماج والذوبان بينهما لا اعلم شيئا عن ابو احمد بعد هذه اللحظة فبعد الصلاة عليه في مسجد المستشفي انطلقت عربة مجهزة للموتي تحمل جسد احمد ومن وراءها السيارة التي تحمل جسد اب يتنفس بلا روح وانقطعت الاخبار واغلب الظن ان هذا الاب لن يعيش كثيرا بعيدا عن ابنه وسيترك دنيانا الي دنياه او اخرته لن يختلف الامر معه كثيرا خرج عمرو من الغردقة مع اثنين من اصحابه كما دخلها منذا ثلاثة ايام ولكن الاصحاب تبدلوا هكذا حال الحياة يسير فيها الراكب يفارق اصحاب ويتعرف علي غيرهم قد تطول المدة وقد تقصر ولكن الحياة في مجملها رحلة قصيرة الي الموت